إهتمام سلطنة عُمان بالصناعات الحرفية
كان العمانيون – ولايزالون – يفخرون ويعتزون بأنهم أصحاب حضارة قديمة وتراث وطني له قيمة وأنهم منفتحون على العصر في نفس الوقت، فكانت عُمان ولا تزال مثلا حميداً يُحتذى به بين الأمم والشعوب في الجمع بين الاصالة والتجديد، فالعُمانيون يجدون الصيغة التي تجمع بين التاريخ والحاضر أي أنهم نجحوا في التوصل إلى أسلوب الحياة المنطبق تماماً على مقوماتهم الوطنية تاريخية أم معاصرة وفي جميع مجالات الحياة بما فيها الثقافة والأوضاع الاجتماعية.
إن الانتماء بالنسبة للعمانيين ليس فقط انتماء لأرض وتعببر عن هوية وإنما هو فلسفة أو أسلوب حياة، والعماد الرئيسي لهذا الأسلوب من الحياة هو التعاون والمشاركة والترابط الوثيق بين مختلف مؤسسات الدولة، تلك المؤسسات التي تشارك المواطن العماني من خلالها في صنع القرارات. وكان قرار القيادة الحكيمة هو أننا نبني ونعمل وفق متطلبات واحتياجات واقعنا العماني وبما يتفق والمراحل التي نريد الوصول إليها، وعليه اعتمدت السلطنة استراتيجية طويلة الأمد للانتقال من المجتمع إلى الدولة العصرية، وأفردت مكانة خاصة لتطوير الثقافة الشعبية والتراث العماني والحفاظ عليه.
وقُدر لهذه الحرف أن تستعيد مكانتها المعهودة في ظل العهد الزاهر لمولانا جلالة السلطان قابوس بن سعيد، حيث أعطى جلالته اهتماما ورعاية إدراكاً منه بأهميتها وتفعيل دورها الريادي ويحفظ لهذه الصناعات الحرفية هويتها العمانية الأصيلة.
"إننا نولي تراثنا الثقافي بمختلف أشكاله ومضامينه المادية أهمية خاصة ونعنى به عناية متميزة لما له من أهمية ودور ملموس في النهوض بالحياة الفكرية والفنية والإبداع والإبتكار". من أقوال حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان (3\10\2005) في كلمتة السامية التي وجهها في الدورة 33 للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم و الثقافة – اليونيسكو بمناسبة مرور 60 عاماً على إنشاء المنظمة التي عقدت في باريس.
وقد تم تخصيص دائرة خاصة في وزارة التراث والثقافة منذ انشائها تهتم بالصناعات الحرفية تسمى" دائرة الحرف التقليدية"، وباوامر سامية تم إلغاء هذه الدائرة وإنشاء الهيئة العامة للصناعات الحرفية بالمرسوم السلطاني السامي رقم 24/2003م، وإصدار اللائحة التنظيمية للصناعات الحرفية بمكرمة سامية من جلالة السلطان لأبنائه الحرفيين بتاريخ 13/3/2003م، وإصدار النظام الأساسي للهيئة واعتماد هيكلها التنظيمي بالمرسوم السلطاني 53/2003م بتاريخ 31/8/2003م، إضافة الى المرسوم السلطاني رقم 33/2010 بتاريخ 6/4/2010م والقاضي بسريان بعض القوانين على الهيئة العامة للصناعلت الحرفية بمثابة ترجمة صادقة للاهتمام لحماية وتطوير الصناعات الحرفية في السلطنة، كما يعد دليلاً واضحاً على أهمية الصناعات الحرفية باعتبارها رمزاً ثابتاً من رموز الهوية الحضارية للمجتمع العماني.
تحتفل الهيئة العامة للصناعات الحرفية في الثالث من مارس من كل عام باليوم "الحرفي العماني" وذلك لرفع روح الكفاءة والإجادة لدى الحرفي العماني من أجل النهوض بالقطاع الحرفي، وتشهد هذه الاحتفالية بتقديم برامج متكاملة من الدعم والرعاية الحرفية للحرفيين المجيدين.
وقد تم تنظيم قطاع الصناعات الحرفية بألية منظمة ومدروسة ومتقنة، وتأتي أهمية التنظيم في زيادة الدخل القومي وتوفير فرص عمل للشباب ودعم الاستقرار الاجتماعي وخلق أبعاد اقتصدادية جديدة، والهدف الأكبر من التنظيم هو الحفاظ على أحد الجوانب التراثية الهامة وتوعية الأجيال بالتاريخ والتراث العماني.
أما آليات الحفاظ على الصناعات والنهوض بها هي:
· الإشراف العام على القطاع الرسمي والأهلي، المرتبط بجميع أمور الصناعات الحرفية.
· صياغة القوانين المرتبطة بمجالات الصناعات الحرفية.
· التخطيط التدريبي.
· التخطيط السياحي.
· التخطيط الاجتماعي.
· التخطيط للانتاج والتسويق.
· التخطيط التعليمي لدراسات الصناعات الحرفية.
· التخطيط الثقافي في مجال الانتاج الحرفي.
· التخطيط الإعلامي لنشر الوعي بأهمية الصناعات الحرفية.
تهتم الهيئة بإقامة المعارض الحرفية سواء كانت محلية أو دولية وذلك لإبراز الصناعات الحرفية محلياً وفي المحافل الدولية ولتعزيز برامج التسويق والترويج للصناعات الحرفية على المستوى الإقليمي والدولي والتعريف بالكفاءات الحرفية العمانية وذلك من خلال تقديم عروض حيه لعدد من الحرفيين في مختلف الصناعات الحرفية.
دشنت الهيئة العامة للصناعات الحرفية الموقع الإلكتروني المطور على الشبكة العالمية للانترنت http://www.paci.gov.om/Index.aspx ، وذلك ليكون منفذاً من منافذ التوعية الإعلامية، وتحرص الهيئة على تطوير الموقع وتحديثه بشكل مستمر حتى يستطيع تلبية متطلبات المتصفح، كما تحرص الهيئة على إبراز كافة أنشطتها وخدماتها الحرفية المتنوعة.
وهناك العديد من الأوامر والمكرمات السامية في إنشاء العديد من مراكز التدريب والتأهيل في مجال الصناعات الحرفية، وآخر تلك المكرمات والتي تم التصريح عنها في أحد الجولات السلطانية بإنشاء كلية الأجيال للصناعات الحرفية في محافظة الداخلية بولاية بهلاء.
إن الجهود في سلطنة عمان لإحياء التراث العماني تتضافر فيها المؤسسات الحكومية والأهلية ومنها:
· الهيئة العامة للصناعات الحرفية: ان للهيئة دور هام وأساسي في الاهتمام بالصناعات الحرفية كونها المؤسسة المختصة بذلك والتي تم ذكر جهودها باسهاب مسبقا.
· وزارة التراث والثقافة: من مهام الوزارة اهتمامها بإنشاء المتاحف، والإشراف عليها، وهناك العديد من المتاحف في السلطنة ومنها المتحف العماني والوطني ومتحف قلعة صحار ومتحف بيت اللبان، ومتحف بيت الزبير - والذي يحتوي على عدد كبير من الخناجر العمانية القديمة وهو من المتاحف الأهلية - ومتحف القوات المسلحة، وتهتم هذه المتاحف بإبراز تاريخ عمان المجيد وتقاليدها العريقة ونمط حياة سكانها على مر العصور والمقتنيات التاريخية والتراثية كالحلي الفضية والخناجر العمانية والمشغولات النحاسية والتي تبرز مهارة الحرفي وقدرته الفريدة على تحويل هذه الخامات إلى مصنوعات وتشكيلات ورائعة.
والجدير بالذكر أنه تم تحويل بعض من القلاع والحصون إلى متاحف، حيث تم تحويل قلعة نزوى في ولاية نزوى وحصن الحزم وقلعة الرستاق في ولاية الرستاق، وكذلك حصن نخل بولاية نخل وأيضاً حصن المنترب بولاية بدية إلى متاحف تعج بالكثير من الكنوز الأثرية التي تتوارثها الاجيال جيلاً بعد أخر.
· وزارة السياحة: تهدف الوزارة إلى إنعاش السياحة في عمان والموروثات العمانية ومنها الصناعات الحرفية، والتي تعتبر من أهم المقومات السياحية في سلطنة عمان، وتحرص الوزارة على الاهتمام بتعريف السياح بهذه الموروثات والتسويق لها في الأماكن السياحية كالقلاع والحصون والمتاحف والمواقع الأثرية، وكذلك تعمل الوزارة على التعريف بهذه الموروثات في المحافل والمشاركات الدولية.
· الهيئة العامة للوثائق والمخطوطات: تهتم الهيئة بالوثائق والمخطوطات القديمة والتي تحمل الكثير من التاريخ والموروثات من التراث العماني، فمخطوطاتنا ذاكرتنا الثقافية الأولى، وفي السلطنة آلاف المخطوطات والتي تم جمعها وحفظها في الهيئة .
· وزارة التربية والتعليم و وزارة التعليم العالي: تهتم الوزارتان بإحياء التراث العماني ومنها الصناعات الحرفية، والمتمثلة بالمدارس والجامعات والكليات، ويتم ذلك بتخصيص مساقات أو إعداد دروس خاصة في المناهج الدراسية إما تهتم بابراز التراث أو التعريف به، كما تشجع الوزارتان الطلبة على الاهتمام بتراثهم من خلال الانشطة والفعاليات والمسابقات في المناسبات المختلفة.
· وزارة الداخلية: تهتم الوزارة بإحياء التراث العماني وتشجيع المواطنيين على الاهتمام والحفاظ عليه، ومن اهتماماتها حددت اللبس الرسمي للرجال في المؤسسات الحكومية وفي المناسبات والمحافل المحلية والدولية عند تمثيل السلطنة، ويتكون اللبس الرسمي من ( الدشداشة والعمامة العمانية "المصر" والخنجر العماني).
كما أن الشعار الرسمي للوزارات والمؤسسات الحكومية يتكون من الخنجر العماني والذي لابد أن يظهر كرمز للمؤسسة الحكومية في المخاطبات الرسمية.
· ديوان البلاط السلطاني: يقدم الديوان جميع أنواع الدعم المادي والمعنوي للحرف أو البحوث التي تهتم بالمجال التاريخي والثقافي والحرفي، وتهتم الخيالة والهجانة السلطانية باقامة السباقات والاحتفالات السنوية لإحياء جانب من التراث العماني.
· بلدية مسقط: وتساهم بلدية مسقط في إحياء الموروثات العمانية الأصيلة والتاريخ العماني الأصيل في كل عام من خلال إعداد وإقامة مهرجان مسقط، والذي يتم الترويج له عالميا واقليمياً.
وهناك العديد من المؤسسات الحكومية والأهلية والتي تعمل على دعم البحوث والدراسات التي تهتم بإحياء التراث العماني ودعم الباحثيين في هذه المجالات ودعم الحرفيين، (والمؤسسات التي تم ذكرها سابقاُ هي لمجرد الذكر وليس للحصر).
ولما كان للخنجر هذه المكانة المرموقة فإن سلطنة عمان قيادة وحكومة وشعباً تهتم بالخنجر العماني، وقد قامت المديرية العامة للمواصفات والمقاييس بالتعاون مع المديرية العامة لرعاية الصناعات الحرفية بإعداد مواصفة قياسية عمانية وذلك تنفيذاً للمرسوم السلطاني رقم 87/1 بتاريخ 3/1/1978م وتحتوي المواصفة على مكونات وأجزاء الخنجر وأنواع ومسميات الخناجر المتداولة بالسلطنة وأساليب التصنيع المتبعة والمواد الخام التي يمكن أن تدخل في الصناعة والمواصفات وأبعاد وأوزان المنتج النهائي، والهدف من المواصفة حماية الحرفة الوطنية العمانية.
كما يحظى الخنجر العماني باهتمام شخصي من لدن جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم الذي أصدر أوامره بحظر استيراد الخناجر العمانية من الخارج وذلك بتاريخ 9 اغسطس 2005م حفاظاً على الخنجر من التقليد أو التزييف نظراً لما يمثله من مدلولات ثقافية للشعب العماني، فكان القرار رقم (1/2006م) بحظر استيراد الخناجر من خارج السلطنة.
وفي مجال حقوق الملكية الفكرية صدرت شهادة ايداع محلية رقم (822) للخناجر العمانية لدى دائرة الملكية الفكرية لوزارة التجارة والصناعة، كما صدر القرار الوزاري رقم (47/2009م) بشأن المواصفات القياسية للخنجر العماني، وألزم صناع الخناجر العمانية وجميع الجهات المعنية في السلطنة باعتماد تلك المواصفات القياسية التي ترعى الحفاظ والحرص على الهوية العمانية للخنجر العماني.
ومواصلة للنهج المتبع للحفاظ على الخناجر العمانية من التقليد أو الخروج في صناعتها على الهوية العمانية، صدر القرار رقم (32/2010م) من الهيئة العامة للصناعات الحرفية بشأن حظر استخدام نموذج الخنجر العماني وغيره من نماذج الصناعات الحرفية في أية منتجات صناعية سواء كانت مصنعة محلياً أو مستوردة إلا بموافقة مسبقة من الهيئة العامة للصناعات الحرفية.
© Khanjar.om جميع الحقوق محفوظة.