سلطنة عمان منذ حكم النباهنة وحتى التاريخ الحديث
إن سجل التاريخ العماني يمتد على مدار 13 قرناً من الزمن تقريباً، لانستطيع أن نذكر هذا التاريخ الممتد باسها حيث يخرج هذا عن موضوع الدراسة، لذا يتم إستعراض فترة حكم النبهانة (1154 - 1624) وحكم اليعاربة (1624 - 1741) وحكم البوسعيد (1744) وماهذه إلا فترات حكم تسبق التاريخ الحديث لحكم جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور (1970)، وهو الحكم الممتد لحكم البوسعيد.
أولا: حكم النباهنة لعمان
استمر حكم بني نبهان لعمان خمسة قرون تقريبا، وما يميز تلك الفترة من التاريخ العماني أنها أكثر الفترات غموضا وذلك يرجع إلى قلة المصادر. وأجمع المؤرخون العمانيون على أن حكم بني نبهان في عمان كان على فترتين:
الأولى: عرفت بفترة النباهنة الأوائل واستمرت تقريباً أربعمائة عام (1154م – 1500م)، وقد مرت دولة النباهنة بأطوار من القوة والضعف بسبب الصراع الداخلي على الحكم وتخللت هذه الفترة غزوات وحروب واجهت بني نبهان في الداخل والخارج بالإضافة إلى تنصيب الأئمة بين فترة وأخرى.
الثانية: عرفت بفترة النباهنة المتأخرين واستمرت تقريبا مائة عام (1500م – 1624م)، وتخللتها أحداث مختلفة منها تنصيب الأئمة والصراع على السلطة بين بني نبهان أنفسهم من جهة وبين بعض القبائل العمانية الطموحة في الوصول إلى حكم عمان من جهة ثانية، كما شهدت عمان في هذه الفترة ظروف قاسية تمثلت في غزو الفرس لصحار وفي تزايد الحروب بين القبائل، ودخول أطراف خارجية في الصراعات الدائرة الأمر الذي أدى إلى اتساع حجم الصراعات بين القبائل العمانية وهو ما سبب في النهاية دخول البرتغاليين في الميدان.
يمكن وصف الفترة الأخيرة من حكم بني نبهان بأنها مرحلة مظلمة من تاريخ عمان حيث عانى العلماء فيها اضطهاداً مخيفاً فأحرقت الكتب وضيق على النشاطات الدينية والتربوية وألغيت القوانيين وانتشرت الفوضى وصودرت الممتلكات والأراضي.
عماني يقف في الصحراء
خصائص عهد بني نبهان
كان عهد النباهنة مظلماً في بعض فتراته وجوانبه في تاريخ عمان إلا أنه لم يكن كذلك في منطقة أخرى سيطر عليها النباهنة إلا وهي مملكة بات التي كانت تقع في أرخبيل لامو بساحل أفريقيا ودعت الحضارة والعلم والثقافة ونشرت الإسلام بين كثير من الأفارقة وأقامت علاقات قوية مع سكان المنطقة سواء في الساحل، أم في الداخل وبالتالي كان للنباهنة الدور الكبير في الربط بين عمان وشرقي أفريقيا بعلاقات قوية وتوطيدها، ويظهر تأثير العلاقة العمانية الأفريقية في التبادل التجاري فكانت هناك سلع يستوردها العمانيون وتشكل أهمية لهم في حياتهم اليومية مثل التوابل والمنسوجات وبعض المواد الخاصة والتي تدخل في صناعة بعض أجزاء الخنجر كالجلود بأنواعها المختلفة و قرون وحيد القرن وسن الفيل.
ثانياً: حكم اليعاربة لعمان
استمرت دولة اليعاربة ما يقارب المائة والخمسين عاماً (1624م – 1741م)، وشهدت عمان وللمرة الأولى منذ مئات السنين توحيد شطريها الداخلي والساحلي تحت راية الأئمة اليعاربة الأوائل، كما تخلصت من قيود السلطة البرتغالية، وكانت بحق أول دولة عربية خالصة من نفوذهم وبدأت أنظار هذه الدولة تتجه نحو توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي الخارجي الذي تحقق في عهد السيد سعيد من حكام الأسرة التالية لليعاربة وهي أسرة البوسعيد.
إن نضال اليعاربة وبخاصة ما يتعلق منه بتخليص عمان من السيطرة البرتغالية على مراحل مختلفة قد وفر لهذه الدولة الأمان والطمأنينة، كما أن جهودهم في توحيد البلاد وتطويع القبائل هما إنجازان رائعان ساعدا على توسيع نفوذ هذه الدولة على سواحل المحيط الهندي وشرقي أفريقيا.
لقد أثر هذا التوسع على تبادل بعض أنماط الحياة و تأثير الثقافات، وامتد هذا التأثير على الطعام و الملابس فكانت العمامة مثلاً تستورد من الهند، أشرعة السفن العمانية البيضاء المطبوع عليها شعار السلطنة (السيفين و الخنجر) تصنع في الهند.
كذلك يستوردون خشب الصندل والنارنج الذي يشكل منه مقبض الخنجر، كما أن هذا التوسع أثر على بعض نقوش الخنجر العماني فالشخص المهتم أو الباحث أو المتعمق في دراسة الخنجر العماني، يلاحظ نوع من أنواع النقوش المميزة وهي عبارة عن رسمة تشبة العين أو دمعة العين، والتي تظهر على القطاعة وحزام الخنجر وتعرف هذه الرسمة عند العمانيين بعدة أسماء منها (عين الغزال)، ويرجع ظهور هذه الرسمة إلى نوع من أنواع الثمار (المانجو) في الهند، وتسمى في الهند باسم (كايري - Kairi) تظهر هذه الرسمة على المنسوجات الهندية النسائية، ومازال يمتاز اللبس الهندي بهذة النقشة، وكان لهذه النقشة تأثير كبير على عدة شعوب منها الشعوب العربية والأوروبية في بداية القرن العشرين.
يشير إلى مسار السفن العمانية التجارية
يشير إلى النقش الموجود في حزام الخنجر
يشير إلى النقوش الموجودة في منطقة القطاعة
خائص عهد اليعاربة
تميز عهدهم بملامح رئيسية لعل من أهمها تحقيق الأمن والاستقرار والرخاء كما تميز عهدها بتطور هائل في البحرية العمانية.
يصف المؤرخ العماني حميد بن زريق فترة الرخاء في عهد الإمام سلطان بن سيف من أئمة اليعاربة فيقول "اعتمدت عمان في أيام دولته وازدهرت، واستراحت رعيته في عصره، ورخصت الأسعار، وصلحت الأسفار، وربحت التجارة وسدت الأثمار"، كما عمل هذا الإمام على تطوير البحرية العمانية وتحديثها وتبعه في ذلك معظم الأئمة فيما بعد، ونتج عن ذلك امتلاك الأسطول العماني للسفن البحرية الكبيرة مزودة بالمدافع العديدة على غرار السفن الأوروبية حتى أصبحت البحرية العمانية من أقوى الأساطيل الحربية في المحيط الهندي.
ثالثاً: حكم البوسعيد لعمان
في خضم الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد نهاية حكم اليعاربة أخذ المصلحون العمانيون يبحثون ويفكرون في شخصية قوية حازمة يستعينون بها لحماية البلاد، فتم تقديم أحمد بن سعيد – والي صحار – الذي برع في مواجهة الفرس ليكون إماماً على عمان (1744م)، فتلاشت على يده الفتن والنزاعات والحروب الأهلية الطاحنة التي نشبت نهاية حكم اليعاربة، كما قام بالسيطرة على جميع القلاع في البلاد، وقام بنفسه بتعيين حكامها وحكم البلاد بيد قوية وهو ما مكنه من القضاء على الفساد الذي كان قد عمّ البلاد.
حارس ومحارب في قلعة نزوى
وقد تأسست حقبة تاريخية عمانية جديدة خطت بعمان إلى الاستقرار والوحدة والازدهار، الأمر الذي دفع بالعمانيين إلى التوجه نحو إعادة بناء وإصلاح ما تهدم وبدأت التوجهات نحو تحقيق المزيد من المنجزات الحضارية على المستويين الداخلي والخارجي والتي استمر أثرها خلال الفترة الزمنية اللاحقة.
نتيجة التقدم التجاري و البحري و التنمية، فقد حرصت كل الدول الأوربية على إقامة وكالات تجارية في المدن العمانية.
خصائص عهد البوسعيد
يتصف عهد البوسعيد بالكثير من الإنجازات الداخلية ومنها التنظيمات الإدارية والتي تتكون من السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية والتي تتمثل بدورها في بيت المال والولاة والشرطة والحرس الخاص والجيش والأسطول، فقد تم الاهتمام بتكوين جيش من أجل حماية عمان ومناطقها ومصالحها والحفاظ على مكانتها وكان جيشاً نظاميا ثابتا ذات قدرات قتالية متطورة، كما تم الاهتمام بتكوين الأسطول البحري من أجل الحفاظ على التجارة وحماية المناطق الساحلية.
سفينة عمانية تجارية
فكانت هناك بضائع مصدرة واخرى مستوردة تشتهر بها الموانىء العمانية ومن أشهر تلك البضائع القرون (سن الفيل – وحيد القرن) والتي كان العمانيون يستخدمونها في صناعة مقابض الخناجر العمانية، حيث كانت هذه القرون من أجود أنواع القرون المستوردة من شرق أفريقيا وبالأخص من زنجبار وكينيا، وتحرص الدول المجاورة على استيرادها من خلال الموانىء العمانية والتي كانت تستخدم في الحلي النسائية وبعض أنواع الأثاث أو زينة المنازل، وفي العصر الحالي أصبحت هذه القرون يحظر الاتجار بها عالمياً فأصبحت هناك مواد آخرى بديلة تستخدم لصناعة مقبض الخنجر ومنها الخشب (النارنج – الصندل) ومادة (البلاستيك).
ازدهرت العديد من الصناعات وتنوعت باختلاف مناطق السلطنة صناعة السفن والمنسوجات والنحاس والبخور والفخاريات والجلود والفضيات مثل الحلي النسائية والخنجر الذي كان يحرص آنذاك جميع الرجال على لبسه كنوع من الوجاهة واستكمالاً للزي العماني المكون من الدشداشة والعمامة والخنجر.
إن التأثير الحضاري العماني في شرق أفريقيا بدأ في عهد سعيد بن سلطان في عام 1804م، الذي شكل ركائز حضارية كانت بمثابة إشعاع ثقافي وحضاري، وقد استعان البوسعيديون في شرق أفريقيا بعدد كبير من المستشارين والعلماء في كافة الميادين، كما نجحوا في جمع كلمة القبائل العربية في شرق أفريقيا وذلك بمشاركة زعماء القبائل واستشارتهم في مهام الدولة ومشاكلها سواء في عمان أو في زنجبار وملحقاتها في نقل ثقافتهم إلى سكان شرق أفريقيا ولا سيما لبس وصناعة الخنجر العماني فأصبحوا يشاركون العمانيين في مثل هذه الصناعات وفي أنشطتهم الحياتية والاجتماعية.
صانع خناجر عماني في زنجبار
وبفضل البوسعيديين عرف المجتمع الأفريقي المجالس السلطانية التي كان يعقدها الحكام البوسعيديون للتعرف على مشاكل الرعية عن قرب ولسماع الراي فيما ما يتعلق بمصالح الجميع.
الحكام البوسعيديين في زنجبار
حكم السلطان قابوس بن سعيد
إن حكم السلطان قابوس بن سعيد هو امتداد لدولة البوسعيد، واستطاعت سلطنة عمان بقيادة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد أن تصل إلى مصاف الدول المتقدمة وشملت النهضة التنموية مختلف الميادين والقطاعات، وهكذا كان الثالث والعشرون من يولو من عام 1970م يوماً مجيداً في تاريخ عمان، وكما قال القائد - حفظه الله "عمان اليوم غير الأمس فقد تبدل وجهها الشاحب ونفضت عنها غبار العزلة والجمود وانطلقت تفتح أبوابها ونوافذها لنور جديد، فعمان اليوم تباهي شقيقاتها من الدول العربية وحول العالم بما حققته من تقدم وازدهار"، لقد وعد القائد شعبه "أيها الشعب سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل".
يوضح لبس الأسرة الحاكمة و السلطان قابوس في بداية حكمة
خصائص النهضة العمانية
فمنذ توليه مقاليد الحكم أصبحت عمان دولة لها مكانتها المهمة على الساحتين العربية والدولية وذلك بفضل المبادىء التي تقوم عليها السياسة الخارجية وهي انتهاج سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير واحترام القوانين والأعراف الدولية وإقامة علاقات ودية مع كل الدول الصديقة.
اهتم السلطان قابوس بالتراث وبرموز الهوية العمانية وقال جلالته "إننا نعتز بالهوية الحضارية لبلادنا في مسيرتنا لصنع التقدم والرخاء، فإننا نود أن نشيد بكل الاهتمام إلى ضرورة إقبال المواطن على المهن التقليدية التي قام عليها مجتمعنا قديماً، مثل المهن الزراعية وصيد الأسماك وغيرها من المهارات والحرف لما لها جميعاً من أهمية قصوى في تنمية اقتصاديات البلاد، وحتى لا نفقد بإهمالها موارد طيبة أنعم الله بها علينا" (18\11\1986) من خطاب حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم بمناسبة العيد الوطني السادس عشر المجيد.
وعليه كان اهتمام السلطنة واضحاً في الاهتمام بهذه الموارد فتنوعت المؤسسات الحكومية والهيئات التى تعنى بتنمية وتطوير هذه الموارد والثروات مثل الثروة الحيوانية والزراعية والسمكية والبحرية وكذلك إهتم جلالته بتشجيع المهن التقليدية مثل صناعة الفخاريات والمنسوجات والفضيات بمختلف أنواعها كصناعة الخناجر "رمز الهوية العمانية" وأصبحت السلطنة بفضل اهتمام حكومة جلالة السلطان من الدول النادرة التي حافظت على تراثها العريق ورموز حضارتها، وفي إحتفالات عمان بالذكرى السابعة عشرة لليوم الوطني قدم جلالته الحرفيين ليؤكد تمسكه باصالة الإنسان في عمان ورعايته الشخصية ورعاية الدولة لكل فئات الشعب، كما أكد أن عمان دولة ترعى الإنسان وتتطلع إلى المستقبل في آن واحد.
وتحرص بلدية مسقط على تجميل مسقط مع المحافظة على الطابع الحضاري للسلطنة فيجد الزائر على طرقاتها ومؤسساتها الحكومية تمثيلا لرموز الحضارة كالمشغولات الفضية والفخاريات أو تجد الخنجر العماني رمز الهوية العمانية شامخاً في الشوارع والطرقات، كما تحرص الحكومة في الحفاظ على الهندسة المعمارية العمانية الذي يميزها الطابع الإسلامي والعربي.
يوضح تجميل الشوارع في عمان بشعار البلد (السيفين و الخنجر)